ينساب ماء الفكر ، مترقرق الشعور بين صخور الأحداث ، ينسكب متفرعا كخيوط حريرية رقيقية أعياها التفرق ، ولكنها في النهاية تجتمع في بحيرة الصمت المختلط بالدهشة فتتوقف الحركة ويصرخ السؤال : ماذا حدث؟
ماذا حدث لجريان الماء المتدفق ؟ ما الذي كسر اندفاعه ؟ ولم فتر عن المواصلة ؟
لم استسلم لأن يكون ماء راكدا منزويا في ظلمة الحياة ؟
الذكريات تضج بإلحاح ، فكلها شاهد على أثر الماء ، فكم خلف على جنباته جنات خضراء ، وكم رسم البهجة على محيا متأمله ، وكم أرسل صوت خريره شعرا يخالط شعورمستمعه، كل ما فيه كان عذبا ، كان صافيا صادقا ، نظرة واحدة تكفي لتثبت لك شفافية صفحته ، نقاؤه كان دائما باعثا على الهدوء والسكينة ،تحييه الشمس كل يوم بأشعتها الذهبية فيزداد لمعانا وبريقا ، كان ديدنه في رحلته ألا يبخل على أحد ، فيرتوي منه العطاشى ، ويحملهم في تدفقه لغاياتهم ، كان معطاء بعطاء الحياة التي تحتاج إلى الهواء والماء لتستمر ..
ما ذا حدث ؟
هل هو بعد الطريق ؟ أم قلة الصاحب والرفيق ؟
الأحجار والغبار؟
أم المراكب ونأي الديار؟
ما الذي حدث ليغدو الماء ملوثا بلون لا يمت له بصلة ؟ ما الذي حدث لتنبعث منه رائحة لم يعتدها ؟ ما الذي حدث ليعرض عنه الناس فلا يشربون منه؟ لم يعد قادرا على إكساب الأرض خضرتها ؟
ولم تعد الشمس تداعب صفحته ، فغدا كسيرا وحيدا خاليا من البريق..
لم يعد قادرا على الحركة والاندفاع ..
وهل إذا عرف السبب سيرجع من جديد ؟ كيف السبيل إلى النقاء ؟
0 التعليقات:
إرسال تعليق